السلطة الخامسة
فلاح الاميري
يعد مفهوم المجتمع المدني من المفاهيم الحديثة نسبيا التي برزت بصورة واضحة على الساحة السياسة والاجتماعية في العراق مع بداية نظام الحكم الجديد عام 2003 ، مع أن هذا المفهوم تمتد جذوره التاريخية والفلسفية في المجتمع العراقي إلى ابعد من ذلك التاريخ بكثير من حيث الاداء وليس الشكل او المسمى، بوصفه من أهم الآليات والوسائل والسلوكيات التي تنظم العلاقة بين افراد المجتمع، الا انه تم الاستحداث عليه وفق تشريع قانون مختص بهذا الاداء ليتحول الى مؤسسة مستقلة تنظم العلاقة بين افراد المجتمع وبين المجتمع والدولة، ووفق الصيغ الديمقراطية التي تقوم على الاحترام والتسامح والتعاون ونبذ حالات العنف والإقصاء والتهميش الاجتماعي والسياسي بين الاثنين (الدولة والمجتمع) .
تعد منظمات المجتمع المدني أحد أهم الشروط الأساسية لتحقيق التقدم السياسي والرفاه الاجتماعي والاقتصادي وقد عنيت بأهم عاملين من عوامل تحقيق التماسك الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المعاصرة، ذلك لأنها تعمل مع اهم عنصرين الفرد والمجتمع على السواء، لذا فان مسؤولية الفرد تجاه مجتمعه تفرض عليه ان يكون عنصرا فاعلاً ومؤثرا في تحقيق التنمية البشرية التي يعد الاعتراف بحقوق الانسان وحمايته وضمانة ركيزتها الاساسية، والمجتمع الذي يشكل الصورة الأساسية للدولة.
ان الدولة المعاصرة في العراق والمفترض ان تقوم على المحاور الثلاثية ( المجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الانسان)، وهي المحاور الرئيسة التي اصبحت اليوم لا غنى عنها في تقدم الدول ونموها، ولا زالت السياسة العامة في العراق تفتقر الى مهمة التطور الديمقراطي وعملية بناء المجتمع المدني وتفعيل دوره، وهما عملية واحدة مترابطة، ولا يمكن لأي منهما أن ينجح دون الآخر، إذ لاوجود لديمقراطية حقيقية من دون مجتمع مدني قوي وفاعل، لذا فان من أهم وظائف الديمقراطية في العراق في الوقت الحاضر هي العمل على إرساء قواعد رصينة للمجتمع المدني داخل المجتمع العراقي ومساند لوظيفة الدولة والمراقب للإداء الحكومي.
تعتبر منظمات المجتمع المدني هي القوى الوحيدة المحايدة في نظام حكم الدولة العراقية الديمقراطية، حيث تتشكل القوى المجتمعية المدافعة عن الحقوق والحريات والديمقراطية منها ، فهي صمام الامان وضمان تحقيق اهداف حقوق الانسان التي جاءت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، او ما جاء في جميع القوانين الدولية في حماية الحريات وتعزيز اسس الديمقراطية، فهي الماكنة لإنتاج الجهد والتجمعات المدنية كما انها لا تعد جهة مستفيدة وانما جهة عاملة على تحقيق العدالة الاجتماعية. ومن خلال المجتمع المدني يكون للمجتمع سلطة قوية ومؤثرة ومدافعة مقابل سلطة الدولة تحول دون الاستبداد والتطرف بالقرار ، وفي نفس الوقت تساهم برسم السياسة العامة للدولة وتدعم الاداء الفاعل لها ، والامر الذي يحول دون تسلطها واستبدادها بفعل وجود الطرف الموازن لها الذي يراقبها باستمرار ويحاسبها إذا اقتضى الأمر ذلك ، بمعنى أخر إن هذا التجربة المجتمعية تمنح المجتمع سلطة فاعلة ومؤثرة في تقرير مصيره، وهي ذاتها تصنع بريق الدولة الديمقراطية ان رغب الوطنيون ذلك، وعليه لابد ان يعي صناع القرار بأن تكون هذه المؤسسات صفا الى صف معهم ، فهم اقرب للمجتمعات ، وان تنتبه المجتمعات وتلتف حولها فهي اقرب للدولة، فهي الخط الفاصل وحلقة الوصل بين المجتمع والدولة، وكما سميت (السلطة الخامسة) ليس بالتدرج وانما هي الغطاء الاعلى للدولة.
ان النظر من زاوية واحدة وبسلبية واحباط لحالة ظهور اسماء منظمات غير حكومية لفترة زمنية وغيابها عن الساحة، او ازدياد عدد تسجيل المنظمات ، او انخراط بعضها في المجال السياسي، هي نظرة غير صحيحة وغير سليمة، فإذا دققنا بتمعن عن الحالة الاولى، نجد ان الظهور والغياب يعزز ثبات وصدق القائمين على من بقيت في ساحة العمل المجتمعي وبدليل الاستمرار وبإنتاجية عالية وفاعلية كوادرها وهو امر ممدوح وجيد، اما الحالة الثانية فهي ايجابية بذاتها قبل اثارها فمجرد دخول عدد من المواطنين في تجمع مجتمعي يهدف الى العمل التطوعي والايثار والعطاء وخدمة المجتمع من جهة ومن جهة العمل الرقابي المجتمعي تزيد فرص الوعي لدى المواطنين وترتفع نسب العمل الانساني وهو ما نحتاجه اليوم فعلا، اما الحالة الثالثة وهي الانخراط في العمل للتمكين السياسي او رسم السياسة او المشورة، فبلدنا لا زال فتي الديمقراطية وفتي العمل السياسي وهذه المؤسسات المجتمعية تعزز الديمقراطية في اوساط المجتمعات والتجمعات السياسية وترفع الوعي بالحقوق السياسية، ان المنظمات غير الحكومية الفاعلة لها دور كبير في بناء الدولة والمجتمع وتبقى في كفاحها الطوعي والانساني والمدافعة عن حقوق الانسان، حتى وان ظهرت بعضها بمصالح شخصية ربحية فتبقى تلك الفاعلة صاحبة الفضل في عملية البناء الاجتماعي والسياسي للبلاد.