اليوم العالمي للديمقراطية 2024

مقال رأي حول الواقع العالمي للديمقراطية - معهد نيسان للوعي الديمقراطي

تمر العملية الديمقراطية في اي بلد من البلدان حديثة العهد على عدة انماط في النظم الحكومية و ادارة الدولة وفي منعطفات متعددة، حتى ان تتكون وتظهر بشكل اخير حسب التشريعات للدولة، وهذه التشريعات من المؤكد تكون ممزوجة مع رواسب فكرية منها ودينية وعرفية تتعلق بتاريخ ذلك البلد، فتأخذ قالبها الاخير كما هو الحال في بعض الدول بعد الانتقال الى الديمقراطية، بالرغم من وجود الضابطة المعيارية الدولية، لكنها تكون خاصة لهذا البلد دون غيره، فالديمقراطية ليست حاجة او سلعة او ثوب ممكن استخدامه لأي بلد من البلدان بنفس القياسات والاحجام، حيث لكل بلد مميزاته وديمغرافيته وتحدياته وبيئته الاجتماعية الدينية والعرفية والثقافية كما ذكرنا، وقد يتخيل المواطن العراقي ان الديمقراطية وكما هو مفهوم بشكل عام وسائد لدى المجتمع العراقي والمتداول على ألسنة الناس انها ( الديمقراطية الغربية ) التي جاء بها الاحتلال او قد ما يسميه اخرون ( قوات التحرير ) (ليس الغرض هنا تحديد من هو القائم على التغيير او عوامله). كما انها ليست نموذجا واحد قد ينفع لتلك الدولة او غيرها ليعبر عن علاقة الحاكم بالمحكوم ، او يعطي شرعية لمجموعة سياسية او افراد ان يشرعوا نصوص قانونية تحدد او تقود مصير امة حسب ماهية الحزب السياسي الحاكم او منظور ضيق لفكرة احادية، كما ان الديمقراطية ليست وهم فرد حالم ولا يمكن ان تطبق في المجتمعات العربية او في الدول النامية،  فالديمقراطية تقتضي القضاء على الفقر وتقتضي تكافؤ الفرص والرشادة الاقتصادية والإدارة الفعالة والتبادل التجاري والعلاقات الاقتصادية الدولية المبنية على الشفافية والعدالة وتكافؤ الفرص وتحقق العدالة والعدالة الاجتماعية. وهنا نشير الى قوى النظم الاقتصادية المتبعة في الدول المتقدمة التي هي الاساس للفرصة في التوزيع العادل وان لا فرق بينها في تطبيق الديمقراطية في كافة الدول الاخرى بل الفرق في نموذج وقالب الديمقراطية المرن والشامل وغير الاحتكاري.

الملاحظ أن نظام النقد الدولي مبني على أسس غير عادلة وقائمة على هيمنة الدول العظمى على باقي دول العالم. فالعلاقات الاقتصادية الدولية تعاني من اختلال و فجوة كبيرة، وبالأخص بين الدول الغنية والدول الفقيرة ( شمال وجنوب)، لذا يرى جملة من المجتمع العربي والنامي وبالأخص المجتمع العراقي انها مجرد فكرة قادها الغرب ليمرروا اليات وادوات سيطرتهم على مجتمعات الدول النامية او دولة فيها تحول في نظام الحكم.

ومن الامثلة المنظمات الاقتصادية الدولية كصندوق النقد الدولي و منظمة التجارة العالمية أدوات في يد نخبة من الدول تصول وتجول كما تشاء في نظام الأحادية القطبية. فالديمقراطية تقتضي تعزيز التنمية المستدامة والمشاركة الشعبية في الحكم و في صناعة القرار سواء على مستوى المؤسسة الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية أو الدينية الخ بينما تركز السياسة نقد الدولي على دعم الحكومات لا المجتمعات حيث السير باتجاه الطبقية الاجتماعية للدول، وحيث الحروب، وضعف صوت الضعفاء، وانهيار القيم الانسانية.

 

نجاح الديمقراطية يعتمد أساسا على تكييفها وملاءمتها للظروف الموضوعية والخاصة بالمجتمع الذي تطبق وتمارس فيه. والعبرة هنا لا تتمثل في الوسائل التي نستعملها للوصول للديمقراطية بقدر ما تتمثل في اقتناع الحاكم والمحكوم وفي قناعة السلطة ومؤسساتها وكذلك الشرائح الاجتماعية المختلفة في الفعل الديمقراطي. فالثقافة الديمقراطية تقدس الفعل الديمقراطي على مختلف المستويات والمؤسسات انطلاقا من الفرد إلى العائلة إلى المؤسسة.

وهذا يعني أنه من المستحيل فرض الديمقراطية من الخارج أو استيراد الديمقراطية من واشنطن أو لندن وإنما الديمقراطية يجب أن تكون وصفة محلية تنبع من الداخل وبقناعة الحاكم والمحكوم ومختلف القوى الفاعلة في المجتمع بمختلف أطيافها و مكوناتها، فالإصلاحات الديمقراطية يجب أن تنبع من الداخل مع الأخذ في الحسبان الثقافات و التقاليد التي يتميز ويختص بها كل مجتمع على حدة وهنا يجب الاستفادة من الثراء والتنوع الذين تتسم بهم النظم السياسية و نماذج الأعمال الحرة و النزيهة التي تقوم على الخصوصيات الوطنية و الإقليمية و الخلفيات المتعددة،

هذا يعني أن القوى العظمى الفاعلة في النظام الدولي يجب أن تعترف وتقتنع بحق الشعوب في تحديد الطرق والسبل التي تتبعها لإدارة شؤونها وأمورها ولتنظيم العلاقات المختلفة بين مؤسساتها للوصول إلى الديمقراطية وإقامة المؤسسات لإجراء عملية انتخابات حرة و نزيهة، وترك التفضيلات بين الحكومات على حساب المجتمعات.

ان ما يحدث هذه الأيام في العالم هو السلوك غير الديمقراطي للدول الصناعية الكبرى والدول المتقدمة والتي تدعي أنها ديمقراطية، هذه الدول تحاول أن تطبق الديمقراطية في دول أخرى بأساليب دكتاتورية وطرق تعتمد على الكذب والتزييف والتلاعب بالرأي العام. والتاريخ مليء بالدروس وبالتحالفات الكبيرة والاستراتيجية بين الأنظمة التسلطية والدكتاتورية في العالم والدول التي تعطي الدروس في الديمقراطية واخرها ما يجري في المنطقة العربية.

من جهة أخرى نلاحظ المغالطات الكبيرة التي تشوب مصطلح الديمقراطية، فالكثير ينظر للديمقراطية على أنها ممارسة سياسية فقط وتتعلق بالمؤسسات السياسية وصناعة القرار السياسي في البلد. والواقع أن للديمقراطية أبعادا اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وهناك علاقة جدلية بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة والديمقراطية وحقوق الإنسان ونظم الإدارة من جهة أخرى.

فالديمقراطية اليوم في دول العالم الثالث تعني توفير فرص التعليم و العمل والسكن ومستلزمات العيش الشريف والكريم. وإذا انعدمت مستلزمات وشروط الحياة الشريفة و الكريمة و فرص التعليم فالكلام عن الديمقراطية يعتبر ضربا من الهراء وضياعاً للوقت. ولهذا نقرأ عن شراء الأصوات في العمليات الانتخابية في العديد من الدول النامية بسبب عدة عوامل من أهمها انعدام الوعي والثقافة الديمقراطية و انعدام أخلاقيات السلوك السياسي، و أهم من كل ما تقدم انتشار البطالة و ضعف القدرة الشرائية وانتشار الرشوة ومختلف الطرق غير الشرعية وغير الأخلاقية للاسترزاق. فالدول العربية كما باقي دول العالم الثالث لا يجب أن تنتظر دروسا من الخارج ولا توجد وصفات مفصلة في واشنطن أو لندن أو باريس لتمارس الديمقراطية وتنعم بمحاسن الحكم الرشيد.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى